Monday, July 15, 2013

التنبؤات التي تحقق نفسها بنفسها.


بأسم العقل و التجرّد من القيود الفكرية


التنبؤات التي تحقق نفسها او ما تسمى بالانجليزية (سيلف فُلفيلينج بروفسي) هي التي تمهد الطريق لصلاحيتها بنفسها في المستقبل. فـ احتمالية حدوث هذه التنبؤات عالية بسبب دخول العامل النفسي في ذلك. لأن المصدق بها يعيش حالة من الترقب و قناعة باستحالة الهروب من مصيره مهما فعل و بالتالي كردة فعل سيحاول جاهداً التعجيل بتحقيقها

استخدم القدماء هذا الاسلوب لادعاء علم الغيب و بالتالي اثبات الاتصال بكائنات إلهية غيبية. حيث تفننت الخضارات القديمه في صياغة اساطيرها و تنبؤاتها. فـ بالرجوع للوراء، لعل اشهر ميثولوجي في التاريخ بهذا الخصوص هي لامير اغريقي اسمه اوديب. هذا الامير هو ابن لـملك مدينه طيبه، اسمه لايوس و زوجته جوكاستا .  حيث ان هناك كاهن تنبأ للملك بانه اذا انجبت زوجته ابنا فأنه سيقتل ابه و سيتزوج امه. و هذا ماحصل فقد انجبت جوكاستا ولداً مما دفع الملك ان يحاول قتل ابنه لكي يحبط هذه المحاولة. كبّل الملك قدمي اوديب و قدمه لراعي لكي يرميه في احدى الجبال لكن هذا الراعي كان عطوفاً جداً و اخذه الى ملك و ملكة مدينة كورينث الذي لم يكن لهم اولاداً. فترعرع بينهم.

مرت السنين و كبر اوديب و بالمصادفة تم نعته من قبل رجل  سكران بـ "اللقيط" و ان ملك و ملكة كوينث ليسوا اباءه الحقيقيين و عندما ذهب اوديب لهم انكروا ذلك. بعد ذلك تقابل اوديب مع الكاهن صاحب النبوءه و اخبره بقدره المحتوم، اي ان مكتوب له ان يقتل اباه و يتزوج امه (لكن لم يخبره بأن ملك و ملكة كورينث ليسوا ابواه الحقيقيان) . و لكي يحبط هذه النبوءه قام اوديب بالهرب بعيداً عنهم حتى لا يقتلهم. ذهب للمدينة الذي ولد فيها وابوه ملكاً عليها - طيبة. في طريقه لطيبه تقابل اوديب مع رجل غريب في تقاطع بين طريقين فتشاجروا من له الحق بالمرور اولاً مما دفع اوديب ان يقتل ذلك الرجل الغريب الذي اتضح لاحقاً بان هذا الرجل الغريب هو اباه، ملك طيبه. و بالتالي فقد حقق اوديب جزء من النبوءه دون قصد . و مع مرور الوقت سارت الأمور لكي يتحقق الجزء الآخر منها و هي ان يتزوج الملكة التي اصبحت ارمله مؤخراً التي هي امه. لكن كل ذلك دون ان يعلم ذلك. و بهذا تحققت نبوءه الكاهن

السؤال التي يتبادر في الاذهان: هل كان الكاهن فعلاً يعلم الغيب ام انه لو لم يخبر اوديب  بمصيره لما في الاساس هرب من ابوييه الغير حقيقيين لابويه الحقيقين و بالتالي تحققت النبوءة؟  اي انه لو لم يخبره بالنبوءه لما هرب اساساً منهم و بقي معهم ولما التقى ابويه الحقيقيين؟
سأترك ذلك لكم تفكروا فيه ..

التنبؤات التي تحقق نفسها بنفسها لا تقتصر على الاساطير القديمه. لانها حاضرة في ايامنا هذه ايضا. و للأسف فإنها بدون مبالغة السبب الرئيسي التي تجعلنا نعيش في دوامه من الاحباط و اليأس، قدر محتوم لا مفر منه .. و كما قلت مسبقاً، العامل النفسي هو الركيزة الاساسية فيها ..  تخيلوا معي الامثلة التالية:

١)  تخيل ان هناك محلل اقتصادي مرموق توقع بأزمة اقتصادية، هذا التوقع سيجعل المستثمرين يفقدوا الثقة في سوق الاسهم و بالتالي ستسود حالة من الذعر مما سيجعلهم يبيعوا اسهمهم و يسحبوا اموالهم و استثماراتهم، و نتيجه لذلك: اصاب السوق نقص حاد في السيولة و بالتالي ازمه اقتصادية  لم يكن لها ان توجد اساساً لو لا لم يصرح هذا المحلل بهذا التوقع التشاؤمي.

٢)  ايضاً التنبؤات التشاؤمية السياسية - تغرس روح اليأس و اللا مبالاة عند الناخبين مما سيسبب في نزوح كثير من الناخبين و بالتالي سيسمح للفاسدين و الفساد بالازدهار.

و لا يجب ان نغفل خطورة التنبؤات التشاؤمية، و خصوصاً الدينية منها كنهاية الكون و خراب الارض و حرب طاحنه آخر الزمان، و التي يفني حياتهم المصدقين بها على عجالة لتحقيقها.


انا شخصياً لا اؤمن بان هناك احدا مهما بلغت مقدرته قادر على معرفة ماذا سيحدث مستقبلاً. و حتى لو كان كذلك، مالهدف اذن من حياتنا اذا كان مصيرنا معروفا و مقدراً. لذة الحياة هي اننا لا نعرف ماهو مستقبلنا، جهلنا عن ما هو قادم سيجعلنا نملأ اذهاننا بمستقبل مشرق و بالتالي نعمل على تحقيقه 



النهاية ...

twitter:
Mardukthegod

No comments:

Post a Comment